عندما طُلب مني الكتابة عن العلاقة ما بين السينماتوغراف و الفيديو آرت استصعبت بالبداية عمل تفرقة ما بين الاثنين كوني خريج معهد سينمائي شديد الالتزام بعالم التجريب والتجريد. في البداية لم أرد الاعتراف بالتصنيفات الشائعة أو المتعارف عليها. إذا نظرنا الى الوراء الى ولادة السينما وصناعة الصورة المتحركة فإننا سنرى أنها كانت ومنذ بداياتها مليئة بالتجريب والبحث والتلاعب في المنتج البصري، ولهذا إن أي تفرقة ما بين السينما بالمعنى التقليدي وفن الفيديو آرت هي تفرقة من أجل وضع مصطلحات يمكن التعامل معها للبحث وللتسهيل المعرفي.
يمكن القول أن السينما ولدت قبالة ما يزيد عن المائة العام وأن التجريب كان أساس هذه الولادة، بينما ولادة السينما التجريبية فهو نتاج للموجات السينمائية المتتالية التي فتحت المجال أمام الفنانين للبحث في جماليات صناعة الصورة المتحركة، و في ثمانينيات القرن الماضي ومع التطور التكنلوجي اصبح الحصول على كاميرا فيديو منزلية متوفراً مما أتاح الفرصة امام الفنانين للمزيد من التجريب والبحث في صناعة الصورة المتحركة، مما يطرح سؤال صناعة الصور المتحركة في يومنا هذه مع اختراع الهاتف النقال الذي أصبح بمثابة كاميرا نحملها جميعاً.
في عالم الصور المتحركة والأفلام السينمائية، يمكن تصنيف أي مُنتج فني بصري الى واحدة من المجموعات الثلاث التالية: السينما التقليدية، وأفلام الفنانين أو ما يعرف بالسينما التجريبية أو ال (Avant Garde). ومن ثم الفنون البصرية المعاصرة.
لكي نستخدم التعريف التقليدي: السينما هي الفن الذي يعتمد بشكل كبير على الرواية أو الحبكة والاعتماد على الممثلين يكون جزء لا يتجزأ من صناعة الفيلم والذي من دون هذه العناصر سرعان ما تتحول لشيء آخر خارج عن التقليد السينمائي الذي تم اتباعه منذ نشأت السينما ما يزيد عن المئة عام. وأحد أهم الخصائص الأخرى التي تتميز بها السينما هي رغبتها بالوصول لعدد كبير من المشاهدين وبالتالي هنا يدخل دور عملية التوزيع وسلسلة الأرباح أي العنصر التجاري للصناعة السينمائية وهذا أيضا يفرقها عن غيرها من الفنون البصرية. بينما أفلام الفنانين أو الأفلام التجريبية تفضل العمل في منطقة الجماليات أو الرؤية الفنية أو مساحات التجريب دون الالتفات لما هو تجاري أو مربح. أما أعمال الفيديو فهي مهتمة في اكتشاف والتلاعب أو معالجة البيئة أو المادة أو الوسائط البصرية بحد ذاتها. كلا هذه الاعمال يعرض في معارض فنية أو متاحف على عكس قاعة السينما. هذه التعريفات والفروقات تحدد الطبيعة التي يعرف بها الفنانين أنفسهم، والكيفية التي يعرف بها النقاد والمشاهدين العمل.
بعد هذه التعريف التبسيطي و المسطح، هناك أعمال فنية بصرية سواء على شاكلة فيديو آرت أم أفلام بالمعنى التقليدي ناجحة كسرت الحواجز وتخطت عوالم المحتوى ووسائط التوزيع.
بعد هذه التعريفات أعلاه فيجدر الإشارة الى أحد الاعمال التي أخرجتها في عام ٢٠٠٧ وهو فيلم قصير بعنوان "الطخيخ" لو نظرنا الى هذا العمل فقد شارك بمهرجانات سينمائية تقليدية مثل مهرجان كان السينمائي وعرض أيضا على شاشة التلفزيون وقاعات السينما ولكن في الوقت ذاته عرض في معارض فنية ومتاحف مثل ال MoMa NY الذي تعامل مع العمل على انه عمل تجريبي و في متاحف أخرى على انه فيديو آرت. إذاً كيف يمكن تصنيف هذا العمل؟ كيف يمكن أن يُدرج في إطار أو آخر؟ عندما يكون قد حظي بعدة خصائص من التصنيفات المذكورة أعلاه.
ربما طريقة العرض والمشاهدة هي العنصر الوحيد الذي يمكن أخذه بعين الاعتبار حيث أن التجربة الإنسانية التي يمر بها المشاهد هي الأهم وربما هي التي تضفي بعضاً من الشرعية على التصنيفات والفروقات التي قد تضع عمل في تصنيفٍ أو آخر.
للخلاصة وكمخرج سينمائي أقول إن السينماتوغراف هي الأداة التي يستخدمها الفنان والمخرج على حد سواء، كما يستخدم الكاتب الروائي والشاعر والباحث الأكاديمي القلم لكتابة أعمالهم، فالسينماتوغراف والقلم هم أداة لإيصال الفكرة وليس إلا. إن الاعمال البصرية بكافة أشكالها تنتمي لعائلة واحدة لتاريخ قديم يمتد من الرسومات الأولى والتصوير الثابت وتطوره للتصوير المتحرك.
السينماتوغراف والفيديو آرت
إيهاب جادالله
كاتب ومخرج سينمائي محاضر في معهد سام شبيغل، يعمل الآن على تحضير فيلمه الطويل الأول.