top of page

أثر الوسائط التكنولوجية المتعددة الحديثة على الفنون البصرية الفلسطينية

جودة فقوسة

مواليد القدس ١٩٩٣

باحث في التقاطعات بين الفن والفلسفة. درس علم النفس والادب الفرنسي في جامعة تل ابيب، والان طالب ماجستير علم نفس مجتمعي في جامعة بير زيت. مارس الرسم لعدة سنوات. يهتم فقوسة في الفن من منظور استكشافي حيوي، يحاول من خلاله الربط بين البحث في الذات وامكانية التغيير في الحيز الشخصي والجمعي.

سليمان منصور، نجاة، طين على خشب، 120*120سم, 2018

لاريسا صنصور، ملكية الأمة، عمل فيديو, 9 دقائق, 2012

ربى سلامة، يم، عمل فيديو، 9 دقائق،2017

شريف واكد، Smily عمل فيديو يعاد، 2015

الوسائط المتعددة هي حلقة الوصل بين المؤدي (الفنان) والجمهور، باستخدام عدة وسائط وتقنيات لإنتاج عمل واحد ان كان تركيبي او لا، يشمل أكثر من مادة واحدة - مثل الصوت والصورة والفيديو والتصميم والحرف والاعمال التركيبية والادائية - التي تعتمد بشكل عام على التكنلوجية الحديثة.

كانت المحاولات الاولى لتقنية الوسائط المتعددة التكنولوجية في الدمج السينمائي ما بين الصورة والصوت، لاحقاً وصلت هذه التقنية الى المنازل في جهاز التلفاز. إلا إن هذه التقنية كانت تتدفق باتجاه واحد، ولم تسمح للمتلقي بالمشاركة والتفاعل. جاء اختراع الحاسوب في قفزة نوعية متيحاً التفاعلية في الوسائط المتعددة، بالإضافة إلى الإنترنت الذي أتاح نقل المعلومات والتواصل بين المستخدمين في كل ارجاء العالم. لم يمضي وقت طويل حتى تمكن الهاتف في جمع كل هذه التقنيات في آلة واحدة محمولة وسهلة الاستخدام، ومن أهم ما توفره الهواتف اليوم هي الكاميرات التي فاقت جودتها الكاميرات الخاصة، وأتاحت للمستخدمين التقاط الصور والفيديو في أي وقت وأي مكان دون الحاجة للتخطيط المسبق. ومن الآلآت الجديرة بالذكر أيضا، نظارات العالم الافتراضي Virtual Reality والعالم المعزز Augmented Reality، حيث أتاحت طريقة جديدة في اختبار المستخدم للوسائط.

تدخلت الوسائط التكنولوجية المتعددة في الاستعمالات الفنية بعد انتشارها في السنوات الأخيرة والانتقال الى استعمالها أكثر بسبب جائحة الكرونا. فمع انتقال العالم إلى السرعة بالتنفيذ والاتصالات والانشغال الدائم في الأمور الحياتية اليومية، نرى الانتقال الضخم الى استعمال وسائل الاتصال التي تعتمد على الوسائط الحديثة من صوت وصورة. ومع هذا الانتقال انتقل أيضاً عالم الفن إلى استخدام هذه الوسائل في نقل الأعمال الفنية إلى المشاهدين حول العالم عوض التواجد الفعلي في صالات العرض. وبات من المحتم على المشهد الفني أن يدمج طرقه التقليدية مع التكنولوجيا، أو ان يخترع وسط جديد مثل العالم الافتراضي والعالم المعزز والتلاعب المحوسب بالصور. لذلك قد نشهد انتقال نوعي في الفن المعاصر من ناحية تعريفه وما يحتويه من أعمال أو طرق عرض.

الفن المعاصر في فلسطين

الفن هو جنين اللحظة، وتراكم فني كبير من جميع الفترات السابقة بالتاريخ، يتطور مع تطور الأدوات الفنية التي بدأت بعد حركة الحداثة وتشمل جميع أنواع مدارس الفن، جمع بين الفن القديم والحديث ليكون فن معاصر شامل كل شيء متجرد من مدارس الفن. لا يقتصر على زمن معين، يشمل التجديد ومواكبة التطور، لا حدود له في استخدام المادة أو الفكرة، هناك حرية مطلقة في التعبير عن الفن الذي يريد الفنان إيصاله من خلال عمله الفني باستعمال أدوات معاصرة وتقنيات متعددة، يستهلك التكنولوجيا والمعدات الحديثة، ويحتوي على أفكار مبتكرة، بالإضافة الى صلته الوثيقة بالحقول الأخرى سواء كانت اجتماعية، سياسية، علمية أو غيرها من الحقول تحت الظروف الرأسمالية وسياسية وصناعية. هذه الأدوات تخرج من تقليدية الريشة واللوحة أو الصلصال والمنحوتات المجردة المتحفية دون وجود نص أو صورة أو صوت او فيديو مساعد، يواكب الرؤية الفنية الحديثة للفنانين وينفذ بأشكال غير تقليدية.

تم استخدام مصطلح "الفن المعاصر" كما نستخدمه اليوم باستمرار، في النصف الثاني من القرن الماضي وما بعده وتمتد حتى يومنا هذا، من قبل مديري الفن لتسمية أنواع جديدة من المؤسسات الفنية وأقسام المتاحف، أو تحديد شريحة جديدة من مبيعات الفن داخل دور المزادات الكبرى. وقد تطور هذا المصطلح وهذا النوع من الفن بعد التطور الصناعي والتكنولوجي واختراع التصوير الضوئي والسينما والهاتف والراديو والتلفاز والحاسوب الذين ساهموا في تغيير مبدأ الفن ومفهومه لدى صانعي الفن ومقتنيه.

انفصال الفن المعاصر عن الفن الحديث تدريجياً ولا يزال قيد الانشاء والتطوير، فلم تكتمل ملامحة حتى الآن، لكن نستطيع القول أن مناهج هذا الفن بدأت تبلور نفسها. ويتميز الفن المعاصر عن الفن الحديث بارتباطه بالتكنولوجيا والجمهور، وهاتان الأداتان كانتا مفقودتان في الفن الحديث الذي اعتمد بشكل كامل على الفنان وأعماله، التي لم تكن مرتبطة بالجمهور وفي أغلب الأحيان كانت الأعمال تأخذ حقها بعد عدة سنوات من إعدادها، ومن الأمثلة المحلية على ذلك، عاصم أبو شقرا الذي شهر في الوسط الفني بعد مماته. أما الفن المعاصر فهو عكس ذلك، لأنه يُعرض مباشرة بعد إتمام العمل وفي بعض الأحيان يكون العمل الفني المعاصر هو عرض العمل قبل الإنتهاء منه أو أن العمل يكون ممتد أو لا نهاية له وتفاعلي مع الجمهور أو الطبيعة والمحيط من حوله. ومن الأمثلة عليه عمل أدائي للفنانة رائدة سعادة بعنوان "شجرة الامنيات" والتي تتمحور فكرته في تفاعل الجمهور مع العمل عن طريق كتابة الجمهور أمانيهم على أقمشة ملونة ورميها أو تعليقها على "شجرة الامنيات" التي هي الفنانة المرتدية فستان قطره عشرة أمتار من القماش الابيض. 

 

الفن الفلسطيني 

في الوقت الذي انطلقت فيه بدايات الحركات الفنية التشكيلية في كثير من البلدان العربية والعالمية أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، تأخر انطلاق الحركة الفنية التشكيلية المعاصرة في فلسطين بسب تهجير وطرد وانشغال الشعب الفلسطيني بالمقاومة ببداية الصراع الإسرائيلي وتحالف المنظمات اليهودية مع الاستعمار البريطاني، فلم تكن للجوانب الفنية نشاطات واضحة، بل كان للجانب الوطني الإنشغال الأكبر في حياة الفلسطينيين.

لا يمكن توثيق تاريخ الفن الفلسطيني بشكل كامل، لأن منطقة فلسطين مرت بصراعات كثيرة وأثرت عليها حضارات مختلفة بداية من زمن الحضارة الكنعانية وحتى يومنا هذا. يمكن الإدعاء إن بدايات الفن الفلسطيني المعاصر كانت في تحول كاتبي الأيقونات إلى الرسم المعاصر من أمثال، جريس جوهارية وخليل الحلبي، والأيقونات بدورها كانت جزء لا يتجزأ من الفن البصري الفلسطيني. 

تأخر الفن الفلسطين بسبب الحروب لكنه استمر ووجد طرق للتأقلم مع التغييرات والقيود. من أشهر الأمثلة في التاريخ الفلسطيني كانت في سنوات الثماني، عندما منعت الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين الرسم بألوان العلم الفلسطيني وقام الفلسطينيون بدورهم بتحدي هذا القرار. ومرحلة الابداع والتجريب التي قاطع فيها الفنانون الفلسطينييون المنتجات الاسرائيلية وتوجهو لاستعمال المواد المتاحة محلياً في فترة الانتفاضة الأولى. مثال من تلك الفترة لوحة نجاة لسليمان منصور.

في السنوات العشر الأخيرة، كان للفن المعاصر وجود في المشهد الفن الفلسطيني، وخصوصاً في استعمال الوسائط التكنولوجية المتعددة، من أشهر الفنانين الذين استعملوا هذا الفن هي الفنانة لاريسا صنصور. وتعرف صنصور باستخدامها التصوير والفيديو بشكل كبير والنحت في أعمالها. فقد استعملت صنصور مشاهد منشأة بالحاسوب(CGI) لإضافتها على أعمالها المصورة بالفيديو فتحاكي بها مشاهد الخيال العلمي. 

العوامل التي أثرت على الفن الفلسطيني واستخدام الوسائط المتعددة والحديثة في العقد الأخير

ككل فترة من فترات الفن في جميع مدارسه كان هنالك العامل المؤثر على بدايته ومجراه ونهايته وانتقال الفن من حقبة إلى أخرى، ونحن الآن في فترة الفن المعاصر، يتطور الفن مواكبة مع التطور التكنولوجي بسرعة كبيرة. لذلك هنالك عدة عوامل كبيرة قد تكون العنصر الأساسي في تحول مفهوم الفن المعاصر.

إحدى هذه العوامل هي الوسائط التكنولوجية الحديثة، التي لعبت دور كبير في تغيير مجرى الفن إبتداءً من اختراع الكاميرات عام 1886إلى اختراع الحاسوب والهواتف الذكية والألواح الرقمية والذكاء الاصطناعي، وعوامل أخرى مثل الرأسمالية والبيروقراطية والتجارة التي يقف خلفها المقتنيين وتجار الفن وقيميي المعارض ودور العرض والمتاحف.

أصبح اليوم الانترنت حاضنة لعرض الأعمال الفنية، إذ يكتفي الفنانون الصاعدين بنشر أعمالهم على وسائل التواصل الإجتماعي أو إذا تمكنوا من إنشاء موقع الكتروني خاص بهم. وذلك لسهولة استخدام المواقع على شبكة الانترنت وسرعتها وقدرتها على الوصول الى عدد أكبر من المشاهدين غير محددين في إطار جغرافي معين، بالإضافة الى شُح المعارض أو التكلفة لإقامة معارض فنية فردية، في بعض الأحيان أيضاً تكون الأعمال الفنية رقمية ولا تحتاج حيز للعرض. 

مثال على أعمال متعددة  عمل الفنانة ربى سلامة في عملها الفيديو باسم "يم" التي قامت بتركيب صوت وصورة بحر غزة على لوحة إعلانية في محطة انتظار الحافلات العامة في وسط مدينة القدس. وفي مثال آخر قام الفنان شريف واكد في التلاعب الكامل في الصورة التي تم تصويرها بالفيديو وإضافة رسومات بشكل دوائر تتساقط مع الحركة في عمله ومتغيرة اللون عبر مدة الفيديو، كما نرى أن الصورة غير طبيعية الألوان متلاعباً بها لتظهر بشكل رمادي اللون.

ومن الأسباب الأخرى التي كانت عامل مهم في انتقال الفن إلى الوسائط هي تدخل دور العرض والمعارض بوضع شروط تقديم الاعمال الفنية أو طريقة تقديمها والمادة أو الوسط الذي يتم طرحه للعرض. مثل شروط جائزة كريمة عبود للتصوير الفوتوغرافي في أكاديمية دار الكلمة للفنون – بيت لحم 2020. وككل مسابقة أو معرض جماعي أو حتى شروط داخلية في أي صالة عرض هنالك هذه الشروط التي تتواجد دائماً في تحديد لغة المعرض الخاصة في إطار المؤسسة التي تفرض على الفنانين التي تلعب دور كبير في طريق عرض أو استخدام المواد والوسائط المستخدمة في إنتاج العمل.

التطور الكبير في وسائل التواصل والتعليم الذي وصل إليه العالم في الأعوام الأخيرة أجبرت طلاب الفن على استخدام الحواسيب في إنتاج أعمالهم. خصوصاً طلاب التصميم الجرافيك وطلاب الهندسة والتصوير والفنون والاتصالات المرئية وكافة مجالات الفنون وغيرها من المجالات، التي لا تسمح الطلاب أو الخريجين من استخدام سوا البرامج المحوسبة في إنتاج الأعمال بسبب انتقال العالم إلى نظام عولمة بيروقراطي يتبع نهج معين في الإنتاج وصناعة المواد واتخاذه كالبروتوكول أو القوانين. مثال على ذلك سيطرة شركة أدوبي العالمية - المختصة في انتاج الوسائط المتعددة -  على سوق التصميم واعتماد برمجياتها وصيغة ملفاتها على أساس انها الأمر الافتراضي في التعامل بين المصممين. وعليه فكل طالب أو فنان أو منتج للفن عليه التأقلم لهذا النظام الرأس مالي واستخدام البرامج المحوسبة في انتاج عمله بدل من الطرق التقليدية.

إثر الجائحة المرضية المنتشرة في العالم، انتقلت معظم الأعمال إلى العمل عن بعد إثر القوانين الصارمة للمحافظة على الصحة العامة والوضع الصحي حول العالم، وذات الشيء طُبّق أيضا على المجال الفني فبدأنا نرى عدد متصاعد من المعارض وبيوت العرض انتقلت إلى المعارض الافتراضية أو نشر منشورات مصورة إما مطبوعة أو عبر الإنترنت أتاحت الفرصة للمشاهدين من متابعة المجال الفني. من الممكن الإنطلاق باستنتاج أن هناك تأثير للوسائط المتعددة الحديثة على الفن الفلسطيني بأشكالها كافة لكن ما زال الفنانون الفلسطينيون ينتجون أعمال فنية باستخدام الوسائط التقليدية. كما وبسبب جائحة كورونا كان هنالك انتقال كبير لإستعمال الوسائط المتعددة، فهل مع مرور الوقت سيعود الفن إلى وسائل تقليدية أكثر، أم سيستمر في التوسع من خلال الوسائط المتعددة، وبالتالي ستشهد بدورها تطورات واختراعات جديدة.

bottom of page